أخبار عاجلة

تحقيق صحفي : كهرباء منطفئة وشرارة الانقسام تتقد ... كيف فشلت المناصفة بين الشرعية والمكونات المشاركة في إنارة اليمن ؟

top-news
  • احقاف / تقرير
  • 26 مايو, 25

المقدمة:

في وقت تُثقل فيه حرارة الصيف صدور اليمنيين، وتتهاوى فيه أعمدة الكهرباء بين العجز والإهمال، تتكشّف واحدة من أسوأ فصول الفشل الحكومي في اليمن الحديث. فشلٌ يتقاسمه اطراف يفترض أنهم جاءو عبر اتفاق سياسي "للمناصفة" بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي . وبدلاً من أن تكون هذه المناصفة بوابة لإنعاش الخدمات، تحوّلت إلى تقاسم للصمت، وتبادل للاتهامات، فيما تتصاعد معاناة المواطنين من الظلام والحرارة والفقر.

الكهرباء... مرآة فشل المناصفة منذ إعلان حكومة المناصفة أواخر عام 2020، وملف الكهرباء يتدحرج من سيئ إلى أسوأ. في عدن، العاصمة المؤقتة، حيث يفترض أن تكون الأولوية للإنقاذ، تصل ساعات الانطفاء اليوم إلى أكثر من 18 ساعة يومياً، وتجاوزت حرارة الأجواء 40 درجة مئوية في بعض المناطق، ما أدى إلى وفاة أطفال ومرضى وعجزة في ظروف مأساوية.

ومع كل انقطاع، تتجدد الأسئلة: من المسؤول؟ الشرعية التي تدير وزارة الكهرباء؟ أم الانتقالي الذي يسيطر على الأرض؟ أم أن كلاهما يكتفي بالتفرج على شعب يتآكله الغضب واليأس؟

وعود تذروها الرياح
أُعلنت عشرات الخطط والإجراءات لتحسين خدمة الكهرباء خلال السنوات الأربع الماضية، بدءًا من صيانة محطات التوليد، ومرورًا بتوفير الوقود، وانتهاءً باستقدام محطات مؤقتة. لكن الواقع يقول شيئًا آخر: محطاتٌ متوقفة، وشبكات متهالكة، ووقود لا يأتي إلا عبر أزمات وصفقات مشبوهة.

وفي مقابل هذا الفشل الذريع، لم يحاسب أحد، ولم تُجرَ مراجعة شفافة للملف، بل إن كل طرف يواصل إلقاء اللوم على الآخر، فيما المواطن وحده يدفع الثمن مضاعفًا: مالاً، وصحةً، وكرامة.

مواطنون في جبهة الصبر
في جولة ميدانية لعدد من الأحياء في عدن وحضرموت وأبين، تحدث المواطنون بحرقة:

أم سليم (ربة منزل): "أشعر أني أعيش في جحيم، لا أستطيع تشغيل المروحة ولا تبريد الماء لأطفالي".

عبدالله النعماني (معلم): "الحكومة كذبت علينا، قالوا إن الكهرباء ستتحسن بعد اتفاق الرياض، لكنها اليوم أسوأ من أي وقت مضى".

ربيع الحداد (مواطن): " اصبحت الكهرباء معيلة لكثير من اصحاب المهن حالياً ولكن مع كثرة انقطاعها الغير مبرر فقد تضرر مصدر رزقنا"

الإحصائيات: الأرقام لا تكذب 
نشرت عدة وسائل محلية في وقت سابق احصائيات عن مصادر رسمية ومع الوضع اليوم قد تغيرت الارقام لربماء لما هو اسواء من ذلك 

بحسب تقرير رسمي صادر عن وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية – مارس 2025: 

إجمالي الاحتياج الكهربائي اليومي في المناطق المحررة: 1650 ميجاوات

الطاقة المتوفرة حاليًا: أقل من 420 ميجاوات فقط (أي 25.4% من الاحتياج)

عدد ساعات التشغيل اليومي في عدن: تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات فقط مقابل 18 ساعة انقطاع

محطات التوليد الحكومية المتوقفة كليًا أو جزئيًا: 7 محطات

إجمالي ما أُنفق على ملف الكهرباء من دعم سعودي وإيرادات داخلية منذ 2021: أكثر من 800 مليون دولار

نسبة الفاقد من الطاقة بسبب تهالك الشبكات والتعديات: 45% 

من المسؤول؟ من يضيء الحقيقة؟

في حكومة المناصفة، تم توزيع المناصب السياسية على قاعدة 50/50 بين الشرعية والانتقالي. لكن توزيع المسؤولية ظل غائباً. فوزارة الكهرباء تقع ضمن حصة الشرعية، بينما الأرض، والعقود، والقرار التنفيذي الميداني يقع ضمن يد الانتقالي. 

النتيجة؟ تقاذف علني للمسؤولية، وغياب تنسيق، وقرارات متضاربة، وأزمات تُدار عبر بيانات لا عبر أفعال. 


المجلس الانتقالي: شراكة بلا مسؤولية؟
يتحدث مسؤولون في المجلس الانتقالي عن أنهم لا يملكون القرار الكامل، بينما الواقع يُظهر أن الانتقالي يفرض سيطرته الأمنية والإدارية في عدن، ويتدخل في مفاصل الخدمة، بما في ذلك إدارة الطاقة.

الشرعية: وزارة بلا أدوات تنفيذ
من جهتها، تقول وزارة الكهرباء إنها تعمل في ظروف معقدة، بين نقص التمويل، وغياب الاستقرار، وتعدد مراكز القرار، لكن هذه التبريرات لم تعد تقنع أحداً، فالمواطن لا تهمه الأعذار بقدر ما يهمه وجود كهرباء في منزله.

المناصفة: شراكة شكلية أم قفص فشل مشترك؟

لم تكن المناصفة بين الشرعية والانتقالي إلا محاولة لإنقاذ الوضع السياسي بعد صراع طويل. لكن في ملف الخدمات، وخاصة الكهرباء، تحولت إلى قيد على أي قرار إصلاحي. لا قرارات شجاعة، ولا لجان مشتركة فاعلة، ولا شفافية في الإنفاق. 

المواطن لا يهمه مَن يملك القرار، بقدر ما يهمه من يتحمل المسؤولية. 

أين المانحون؟ وأين الرقابة؟
ورغم المليارات التي صُرفت في دعم الكهرباء من قبل السعودية وصناديق التمويل، فإن انعدام الشفافية والفساد المستشري جعلا هذه الأموال تتبخر، دون أن يرى المواطن منها إلا الوعود.

خاتمة: حكومة انتقالية أم مرحلة انتقالية إلى الفشل؟

بات من الواضح أن حكومة المناصفة فشلت في أول وأبسط اختبار لها: تأمين خدمة الكهرباء. ومتى ما عجزت أي حكومة عن توفير الإنارة لمواطنيها، فإنها تفقد شرعيتها الأخلاقية والعملية.

تحتاج اليمن اليوم إلى ما هو أكثر من تقاسم سلطة؛ تحتاج إلى تقاسم مسؤولية، ومحاسبة فعلية، وخطة إنقاذ شاملة. وإلا فإن المناصفة ستبقى عنوانًا لفشل يتقاسمه الجميع، ويكتوي بناره الشعب فقط. 

في اليمن، صارت الكهرباء تمثل أكثر من مجرد خدمة عامة؛ إنها مقياس لصدقية الحكومة، وامتحان لاستقرار المرحلة الانتقالية. وما لم تكن هناك مصارحة ومحاسبة، فإن كل حكومة قادمة، مهما كانت تركيبتها، لن تكون إلا استمرارًا للظلام. 

لعل أولى خطوات النور، أن يعترف الجميع بأن لا مناص من الشفافية، ولا بديل عن التخطيط الوطني الموحد .

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة بعلامة *